افات اللسان..مَآ يَللفِظٌ مِن قوٍلٍ إلآ لديه رٍقيب عتيد

مَآ يَللفِظٌ مِن قوٍلٍ إلآ لديه رٍقيب عتيد... صدق رٍب ألعزٍة جل فى علآه سورة ق آية 18
نعم الله علينا كثيرة تترى فهي لا تعدو ولا تحصى
واللسان من أعظم نعم الله على الإنسان، وهو عظيم النفع إن استعمل فيما يحب الله من الكلام، عظيم الضرر إن استعمل في ضد ذلك..

فالواجب حفظ اللسان إلا عن الخير. كما قال رسول الله e: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) متفق عليه
وحفظ اللسان هو ملاك أمرك،
كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ(ألا أخبرك بملاك ذلك كله) قال: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه وقال: (كف عليك هذا) قال: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: (ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟) رواه الترمذي،
حديث حسن صحيح.
إذن فمن الخطر العظيم ما يقع فيه كثير من الناس من إطلاق ألسنتهم والتهاون بالكلام غافلين عن أنه يُحصى عليهم ما تتلفظ به ألسنتهم ويُسألون عنه،
وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن أكثر ما يدخل الناس النار، فقال: (الفم والفرج) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.

فلنمعن النظر فى هذا الحديث ونحوه من النصوص الواردة في الكتاب والسنة عرفنا حقيقة اللسان وخطره
، فإن اللسان لا يَكَلُّ كما تكلُّ سائر الأعضاء،
ثم إن المعاصي التي تكون باللسان كثيرة، منها: الغيبة، والنميمة، وقول الزور، والسخرية بالمسلمين، والكذب في الحديث، وأعظمُه الكذب على الله عز وجل ورسوله
ومن أكثر هذه الذنوب انتشاراً بين العامة والخاصة، وبين الرجال والنساء، بل أصبحت عادة ذميمة، وعمل لئيم، وجريمة أخلاقية منكرة، لا يلجأ إليها إلا الضعفاء والجبناء، ولا يستطيعها إلا الأراذل والتافهون،
ولا ينتشر هذا العمل إلا حين يغيب الإيمان، وهي اعتداء صارخ على الأعراض، وظلم فادح، وإيذاء ترفضه العقول وتمجه الطباع، وتأباه النفوس الكريمة، وهي كبيرة من كبائر الذنوب.
. ألا وهي "الغيبة" التي جاء وصفها في كتاب الله بأبشع الصفات، قال تعالى
ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه صدق ربى جل فى علاه سوٍرٍة ألحجرٍآت آيه 12

وبينها ووصفها رسول الله
بقوله: (أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هي ذكرك أخاك بما يكره)
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومع ذلك قدتجد متكلم في أحد المجالس يتعرض لغير واحد من الناس فيذكرهم بما يكرهون، فإذا نُصِحَت، قال: والله إني لم أزد عليهم شيئاً فكل ما قلت هو فيهم
.
وهذا جهل منها عظيم، فما تكلمت به هو الغيبة بعينها؛ لأن رسول الله
سئل: (أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول،فقد بهته) رواه مسلم
وهي حرام لقوله صلى الله عليه وسلم (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) رواه مسلم
ولعظم أمرها فقد جاء الوعيد الشديد في حق مرتكبها،
قال صلى الله عليه وسلم (لما عُرج بي إلى السماء مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم).

والغيبة بضاعة كاسدة، وسلعة رخيصة، لا يسعى لها ولا يحافظ عليها إلا ضعاف الإيمان
وهي في الوقت نفسه تجارة خاسرة للمغتاب حيث إنه يخسر كثيراً من حسناته، ويكسب كثيرا من الذنوب والسيئات.
وبعض الناس مع الأسف الشديد لا تراه دائماً إلا منتقداً، وينسى صفات الآخرين الحسنة، ويركز على أخطائهم وعيوبهم فقط، فهو في ذلك مثل الذباب الذي يقع على الجرح والأذى ويترك موضع البرء والسلامة، وهذا من رداءة النفوس، وفساد المزاج.
والغيبة تكون في القول والإشارة والإيماء والغمز واللمز والكتابة والحركة وكل ما يُفْهِم المقصود فهو داخل في الغيبة،
تقول عائشة رضي الله عنها: (دخلت علينا امرأة فلما ولّت، أومأت بيدي أنها قصيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إغتبتهآ)

قال ابن تيمية في بواعث الغيبة
إن الإنسان قد يغتاب موافقة لجلسائه وأصحابه، مع علمه أن المغتاب بريء مما يقولون، أو فيه بعض ما يقولون، لكن يرى أنه لو أنكر عليهم لقطع المجلس، واستثقله أهل المجلس

ومنهم من يُخرج الغيبة في قالب ديانة وصلاح، ويقول: ليس لي عادة أن أذكر أحداً إلا بخير، ولا أحب الغيبة والكذب، وإنما أخبركم بأحواله، والله إنه مسكين، ورجل جيد، ولكن فيه كذا وكذا، وربما يقول: دعونا منه، الله يغفر لنا وله، وقصده من ذلك استنقاصه

ومنهم من يخرج الغيبة في قالب سخرية ولعب ليضحك غيره بمحاكاته واستصغاره المستهزأ به.
ومن من يخرج الغيبة في قالب تعجب فيقول: تعجبت من فلان كيف يفعل كيت وكيت.
ومن من يخرج الغيبة في قالب الاغتمام، فيقول: مسكين فلان، غمني ما جرى له، فيظن من يسمعه أنه يغتم له ويتأسف، وقلبه منطو على التشفي به.

ومنهم من يظهر الغيبة في قالب غضب وإنكار منكر، وقصده غير ما أظهر.
إن الغيبة هي أن تذكر أخاك بما يكرهه لو بلغهُ ذلك، سواء ذكرته بنقص في دينه أو بدنه أو في نسبه أو في خلفه أو في فعله أو في قوله، حتى في ثوبه ونحو ذلك.

إن بعض النساء قد تغتاب شخصاً فإذا قيل لها: اتقي الله ولا تتكلمي في أعراض المسلمين، أجابت
بقولها، أنا مستعدة أن أقول أمامه، أو أن فلاناً لا يغضب مما أقول، فما يدريك ـ يا أخيتي ـ أنه لا يغضب، فلعله يجامل عندكِ ولكن في قرارة نفسه يتألم كثيراً من ذلك القول ويكرهه
قال صلى الله عليه وسلم
لا يدخل الجنة نمام صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم . متفق عليه،


فالنميمة محرمة، ومن الكبائر، والنمام الذي يسمع كلام الناس فينقل الكلام إلى من يسؤوه ليفسد بينهم، أو هو الذي يأتي بكلام – أي من تلقاء نفسه – ليفسد ما بين الأحبة، نسأل الله العافية
والاستهزاء بالمسلمين في خلقهم كبيرة، وقد يكون كفراً والعياذ بالله
قال تعالى
ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون* لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكمصدق ربى جل فى علآه

والواجب محبة أخلاق المسلمين ودينهم وهدي نبيهم، فذلك دليل الإيمان، والاستهزاء بالدين كفر، والعياذ بالله
ومن آفات اللسان: السب والشتم واللعان،

وكل هذا منهي عنه وليس من خصال المؤمنين
، كما روى عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله
(ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء).
وكذلك السب بأنواعه لا يحل قال عليه السلام: (سباب المسلم فسوق)، وفي حديث
وروى مسلم في صحيحه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله
(لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة).

ومن آفات اللسان: سب الأيام والشهور والسنين،

روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي هريره
أن رسول الله
قال: قال الله عز وجل: (يؤذيني ابن آدم بسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار)
وعنه أن رسول الله e قال: (ولا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإن الله هو الدهر) رواه مسلم
هذا احد مايتعلق بدخول الجنه، ولا أدعي الشمول، ولكن أرجو أن أكون فتحت باباً للاستزادة في هذا الأمر، وحركت فيكم هاجساً لحفظ هذه الجارحة.
اللهم انفعنا بما علمتنا يارب وارحمنا واغفر لنا ذنوبنا وتب علينا انك انت التواب الرحيم